لم تكن (الولايات المتحدة) فيما قبل الحرب العالمية الأولى تهتم بمنطقة المشرق العربي بأي شكلٍ من الأشكال، بل على العكس من ذلك فقد تركتها تحت سلطة النفوذ الاستعماري لكل من (إنجلترا) و(فرنسا). لكن مع تزايد مصالح (الولايات المتحدة) في المنطقة -لا سيما حاجتها للحصول على الكميات الكافية التي تحتاجها من النفط، بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة التي أصبحت تربط بين العرب و(الإتحاد السوفيتي) -شعرت (الولايات المتحدة) بضرورة الاهتمام بتلك المنطقة، والعمل على ترسيخ نفوذها بداخلها.
اتجهت (الولايات المتحدة ) للنفط العربي حين تنبأ خبراؤها بأن ما لديها من مخزون ضخم سوف يتناقص في المستقبل القريب، لكنها اصطدمت بالنفوذ الإنجليزي الذي يسيطر على المنطقة ويرفض أي شكل من أشكال التدخل أو الشراكة في تلك الموارد. وهو ما حدث حين قامت (الولايات المتحدة) بإرسال بعض الجيولوجيين للقيام بعمليات التنقيب في (فلسطين) و(العراق) عام 1916 م؛ حيث رفضت السلطات البريطانية السماح لهم بذلك كي تحصل وحدها على كافة ما تنتجه تلك البلدان من نفط، لا سيما أن نصيب (إنجلترا)هو 4% من إجمالي إنتاج النفط العالمي بينما تنتج (الولايات المتحدة) داخل حدودها ما مقداره 70% تقريبًا.
وقد اعترضت (الولايات المتحدة ) بشدة على ذلك الاحتكار الذي فرضته (إنجلترا) على تلك المنطقة، واتهمتها بالتفرقة، وعدم السماح بتحقيق تكافؤ في الفرص بين كل من المصالح البترولية الأمريكية والإنجليزية، ودعت إلى تطبيق ما يسمى بـِ (مبدأ الباب المفتوح)؛ كي لا تقتصر الامتيازات في المنطقة على (إنجلترا) و(فرنسا) فقط. وأمام ذلك الهجوم سمحت (إنجلترا) بأن تشاركها (الولايات المتحدة) في شركة النفط التركية وكذلك نفط (العراق) بشرط التوقيع على ما يسمى (ميثاق النزاهة) -والمعروف باتفاقية (الخط الأحمر)، -وينص على عدم سعي أيٍ من شركاء شركة النفط التركية للحصول بشكل منفرد على امتيازات للنفط في منطقة المشرق العربي إلا بموافقة شركة النفط التركية، وهو ما كان يتعارض مع سعي (الولايات المتحدة) الدائم نحو تطبيق مبدأ (الباب المفتوح).
وعلى الرغم من ذلك الاختلاف في الشروط والمصالح؛ فقد تم توقيع المشروع عام 1924 م، وقد انضمت (فرنسا) و(هولندا) و(ألمانيا) كمساهمين في تلك الشركة، وقد سعت الشركة للحصول على امتيازات في بلدان أخرى كـ (سوريا ) و(فلسطين )، وعلى الرغم من ذلك التعاون المشروط فقد تحايلت (الولايات المتحدة ) على ذلك الميثاق، وسعت إلى الحصول بمفردها على امتيازات في كل من (الكويت) و(البحرين) و(المملكة السعودية) دون إعارة أو تأجير من (إنجلترا) كوسيط، واستمر ذلك التوغل الأمريكي على حساب الحصة التي تحصل عليها (إنجلترا)، حتى أصبح 60% من إنتاج نفط الخليج يقع في يد (الولايات المتحدة) بحلول عام 1960 م.
كانت (الولايات المتحدة) تسعى إلى الحفاظ على مصالحها في منطقة المشرق العربي بكافة الوسائل الممكنة، كما قامت بمنافسة وإزاحة النفوذ الإنجليزي كي تستحوذ وحدها على المنطقة، لكنها على الرغم من ذلك ظلت تساند القضية الصهيونية وتتعهد بأنها ستقوم شخصيًا بإقامة وطن اليهود على أرض (فلسطين )، دون أي اعتبار لمشاعر عرب المنطقة، والغضب الذي يشعرون به تجاه تلك السياسات والقرارات الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والذي من شأنه أن يؤثر على حصتها من النفط التي تحصل عليها.
وهو ما يثير تساؤلًا غاية في الأهمية. فإذا كانت كافة المصالح الأمريكية مع العرب، لماذا تصر (الولايات المتحدة ) على دعم الصهيونية على الرغم من أن ذلك الدعم يضر بمصالحها الاقتصادية والسياسية؟ سنجد أن السبب الرئيسي يعود إلى ما حققته المؤسسات الصهيونية من نفوذ داخل (الولايات المتحدة). كما نجد أن اليهود الأمريكان ينفقون مبالغ طائلة في الدعاية الانتخابية؛ فإذا كان المرشح ذو ميول صهيونية ويتعهد بحماية مصالحهم في (الولايات المتحدة) وفي (فلسطين) أيضًا؛ فإنه يحظى بدعم انتخابي هائل؛ لذا نجد أن المرشحين لذلك المنصب غالبًا ما يتملقون تلك المؤسسات الصهيونية لضمان الفوز، وقد بلغ مقدار ما أنفقته تلك المؤسسات في الانتخابات النيابية عام 1970 م حوالي 64 مليون دولار.
هذا بالإضافة إلى رغبة (الولايات المتحدة ) في أن تضع حليف قوي لها في المنطقة، لا سيما حين فشلت في كسب وتكتيل المنطقة إلى صفها ضد (الاتحاد السوفيتي)؛ حين قام العرب بتفضيل سياسة عدم الانحياز، ولم تكشف (الولايات المتحدة) في البداية عن سياستها تجاه قضية (فلسطين)؛ خوفًا أن تثير غضب العرب، خاصة وأنها كانت تجري في ذلك الوقت العديد من المفاوضات مع (المملكة السعودية) لإقامة خط أنابيب للنفط، لكن مع وصول (هاري ترومان) عام 1945 م أصبحت (الولايات المتحدة) أكثر وضوحًا وميلاً إلى الصهيونية وسرعان ما اتخذ قرارًا بإرسال مائة ألف لاجئ يهودي إلى الأراضي الفلسطينية.
وازداد اليهود في عام 1947 م رغبة في تقسيم (فلسطين) إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية. وقد أعلنت (الولايات المتحدة) دعمها لذلك المشروع، وحين عرضت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك المشروع للنقاش والتصويت تمكنت الصهيونية من خلال الرشاوى والضغوط بالفوز بالتصويت لصالحها؛ وهو ما أدى إلى إثارة غضب العرب حيث قامت في (فلسطين) العديد من المقاومات بالأسلحة، كما قام العرب بحرمان شركات النفط الأمريكية من حصصها، وهو ما ساهم في تحويل السياسة الأمريكية بشكل كبير.
وبعد أن كانت أهم المؤيدين لخطة التقسيم قامت بمطالبة مجلس الأمن بإيقاف مشروع التقسيم واستبداله بوصاية مؤقتة. على الرغم من عدم وجود خطة واضحة حول كيفية تنفيذ تلك الوصاية. وهو ما اكتشفته (الولايات المتحدة) حين وجدت أن قوتها العسكرية قد استنفذت بأكملها في الحرب العالمية، وأنها لن تتمكن من إرسال قوات أمريكية لفرض الوصاية في (فلسطين)؛ لذا فقد تخلت في النهاية عن فكرة الوصاية، كما تخلت عن فكرة التقسيم، لكن هذا لا يعني أن (الولايات المتحدة) قد توقفت نهائيًا عن مساندة (إسرائيل ) ودعمها.
ففي عام 1950 م أصدرت كل من (إنجلترا) و(فرنسا) و(الولايات المتحدة) بيانًا ثلاثيًا تدعو كلًا من العرب و(إسرائيل) للجلوس على مائدة التصالح؛ وهو ما قام العرب برفضه، بل وأثار حقدهم على كل من (الولايات المتحدة) والغرب. وعلى الرغم من ذلك استمرت (الولايات المتحدة) في تقديم الدعم السياسي والمادي للصهيونية وقيام الدولة اليهودية، دون أن تتخلى عن مصالحها في المشرق العربي، أو تقبل بزعزعة نفوذها وسلطتها بداخله.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان